كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



قوله تعالى: {ذلكم توعَظون به} قال الزجاج: ذلكم التغليظ توعظون به.
والمعنى: أن غِلَظَ الكفارة وَعْظٌ لكم حتى تتركوا الظهار.
قوله تعالى: {فمن لم يجد} يعني: الرقبة {فصيام شهرين} أي: فعليه صيام شهرين {متتابعين فمن لم يستطع} الصيام {فـ}كفَّارته {إطعام ستين مسكينًا ذلك} أي: الفرض ذلك الذي وصفنا {لتؤمنوا بالله ورسوله} أي: تصدِّقوا بأنَّ الله أمر بذلك، وتصدِّقوا بما أتى به الرسولُ {وتلك حدود الله} يعني: ما وصفه الله من الكفَّارات في الظِّهار {وللكافرين عذاب أليم} قال ابن عباس: لمن جحد هذا وكذَّب به.
قوله تعالى: {إن الذين يحادُّون اللهَ ورسولَه} قد ذكرنا معنى المحادَّة في [التوبة: 63] ومعنى {كُبتوا} في [آل عمران] عند قوله تعالى: {أو يكبتهم} [آية: 127] وقال ابن عباس: أُخزوا يوم الخندق بالهزيمة كما أخزي الذين من قبلهم ممن قاتل الرسل.
قوله تعالى: {يوم يبعثهم الله جميعًا} أي: من قبورهم {فينبّئهم بما عملوا} من معاصيه، وتضييع فرائضه {أحصاه الله} أي: حفظه الله عليهم {ونسوه والله على كل شيء} من أعمالهم في السِّر والعلانية {شهيد}.
{ألم تر} أي: ألم تعلم.
قوله تعالى: {ما يكون من نجوى ثلاثة} وقرأ أبو جعفر {ما تكون} بالتاء.
قال ابن قتيبة: النجوى: السرار.
وقال الزجاج: ما يكون من خلوة ثلاثة يسرِّون شيئًا ويتناجَوْن به {إلا هو رابعهم} أي: عالم به.
{ونجوى} مشتق من النجوة، وهو ما ارتفع.
وقرأ يعقوب {ولا أكثرُ} بالرفع.
وقال الضحاك {إلا هو معهم} أي: علمه معهم.
قوله تعالى: {ألم ترى إلى الذين نُهُوا عن النجوى} في سبب نزولها قولان.
أحدهما: نزلت في اليهود والمنافقين، وذلك أنهم كانوا يتناجَوْن فيما بينهم دون المؤمنين، وينظرون إلى المؤمنين، ويتغامزون بأعينهم، فإذا رأى المؤمنون نجواهم قالوا: ما نراهم إلا قد بلغهم عن أقربائنا وإِخواننا الذين خرجوا في السرايا، قتل أو موت، أو مصيبة، فيقع ذلك في قلوبهم، ويحزنهم، فلا يزالون كذلك حتى تقدَّم أصحابهم.
فلما طال ذلك وكثر، شكا المؤمنون إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأمرهم أن لا يتناجَوْا دون المسلمين، فلم ينتهوا عن ذلك، فنزلت هذه الآية، قاله ابن عباس.
والثاني: نزلت في اليهود، قاله مجاهد.
قال مقاتل: وكان بين اليهود وبين رسول الله موادعة، فإذا رأوا رجلًا من المسلمين وحده تناجَوْا بينهم، فيظن المسلم أنهم يتناجَوْن بقتله، أو بما يكره، فيترك الطريق من المخافة، فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنهاهم عن النجوى، فلم ينتهوا، وعادوا إليها، فنزلت هذه الآية.
وقال ابن السائب: نزلت في المنافقين.
والنجوى: بمعنى: المناجاة {ثم يعودون} إلى المناجاة التي نهوا عنها {ويتناجَوْن} قرأ حمزة، ويعقوب، إلا زيدًا، ورَوحًا {ويتنجَّون} وقرأ الباقون {ويتناجون} بألف.
وفي معنى تناجيهم {بالإثم والعدوان} وجهان.
أحدهما: يتناجون بما يسوء المسلمين، فذلك الإثم والعدوان، ويوصي بعضهم بعضًا بمعصية الرسول.
والثاني: يتناجَوْن بعد نهي الرسول، ذلك هو الإثم والعدوان ومعصية الرسول.
قوله تعالى: {وإِذا جاؤوك حَيَّوْكَ بما لم يحيِّكَ به الله} اختلفوا فيمن نزلت على قولين.
أحدهما: نزلت في اليهود.
قالت عائشة رضي الله عنها: «جاء ناس من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: السام عليك يا أبا القاسم، فقلت: السام عليكم، وفعل الله بكم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مه يا عائشة، فإن الله لا يحب الفحش، ولا التفحش، فقلت: يا رسول الله: ترى ما يقولون؟ فقال: ألست تريني أردُّ عليهم ما يقولون، وأقول: وعليكم، قالت: فنزلت هذه الآية في ذلك».
قال الزجاج: والسام: الموت.
والثاني: أنها نزلت في المنافقين، رواه عطية عن ابن عباس.
قال المفسرون: ومعنى {حيَّوك} سَلَّموا عليك بغير سلام الله عليك، وكانوا يقولون: سام عليك.
فإذا خرجوا يقولون في أنفسهم، أو يقول بعضهم لبعض، لو كان نبيًا عذّبنا بقولنا له ما نقول.
قوله تعالى: {يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم} فيها قولان.
أحدهما: نزلت في المنافقين، فالمعنى: يا أيها الذين آمنوا بزعمهم، وهذا قول عطاء ومقاتل.
والثاني: أنها في المؤمنين، والمعنى: أنه نهاهم عن فعل المنافقين واليهود، وهذا مذهب جماعة، منهم الزجاج.
قوله تعالى: {تتناجَوا} هكذا قرأ الجماعة بألف.
وقرأ يعقوب وحده {فلا تتنجَّوا}.
فأما {البِرُّ} فقال مقاتل: هو الطاعة، و{التقوى} ترك المعصية.
وقال أبو سليمان الدمشقي: {البِرُّ} الصدق، و{التقوى} ترك الكذب.
ثم ذكر أن ما يفعله اليهود والمنافقون، من الشيطان، فقال تعالى: {إنما النجوى من الشيطان} أي: من تزيينه، والمعنى: إنما يزيِّن لهم ذلك {ليحزن الذين آمنوا} وقد بيَّنا اتِّقاء ما كان يحزن المؤمنين من هذه النجوى {وليس بضارّهم شيئًا} أي: وليس الشيطان بضارِّ المؤمنين شيئًا {إلا بإِذن الله} أي: بإرادته {وعلى الله فليتوكل المؤمنون} أي: فليكلوا أُمورهم إليه.
قوله تعالى: {إذا قيل لكم تفسَّحوا في المجلس} وقرأ عاصم في {المجالس} على الجمع، وذلك لأن كل جالس له مجلس، فالمعنى: ليفسح كل رجل منكم في مجلسه.
قال المفسرون: نزلت في نفر من المؤمنين كانوا يسابقون إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أقبل المهاجرون وأهل السابقة، لم يجدوا موضعًا، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يليه أولو الفضل ليحفظوا عنه، فبينما رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم جمعة جالس في صُفَّةٍ ضيِّقةٍ في المسجد، جاء نفر من أهل بدر فيهم ثابت بن قيس ابن شماس، فسلَّموا وانتظروا أن يوسّعوا لهم، فأوسعوا لبعضهم، وبقي بعضهم، فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: «قم يا فلان، قم يا فلان» حتى أقام من المجلس على عدة من هو قائم من أهل السابقة، فرأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في وجوه من أقامهم الكراهة، وتكلَّم المنافقون في ذلك وقالوا: والله ما عدل، فنزلت هذه الآية.
وقال قتادة: كانوا يتنافسون في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا أقبل مقبل ضَنّوا بمجلسهم، فأمرهم الله أن يفسح بعضهم لبعض.
قال المفسرون: ومعنى {تفسَّحوا} توسَّعوا وذلك أنهم كانوا يجلسون متضايقين حول رسول الله صلى الله عليه وسلم فلا يجد غيرهم مجلسًا عنده، فأمرهم أن يوسِّعوا لغيرهم ليتساوى الناس في الحظِّ منه، ويظهر فضيلة المقرَّبين إليه من أهل بدر وغيرهم.
وفي المراد {بالمجلس} هاهنا ثلاثة أقوال.
أحدها: أنه مجلس الحرب، ومقاعد القتال، كان الرجل يأتي القوم في الصفِّ، فيقول لهم: توسَّعوا، فيأبَوْن عليه لحرصهم على القتال، وهذا قول ابن عباس، والحسن، وأبي العالية، والقرظي.
والثاني: أنه مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم، قاله مجاهد.
وقال قتادة: كان هذا للنبي صلى الله عليه وسلم ومن حوله خاصة.
والثالث: مجالس الذكر كلِّها، روي عن قتادة أيضًا.
وقرأ علي ابن أبي طالب، وأبو رزين، وأبو عبد الرحمن، ومجاهد، والحسن، وعكرمة، وقتادة، وابن أبي عبلة، والأعمش: {تفسحوا في المجالس} بألف على الجمع.
قوله تعالى: {يفسح الله لكم} أي: يوسّع الله لكم الجنة، والمجالس فيها.
{وإذا قيل انشزوا} قرأ نافع، وابن عامر، وحفص عن عاصم {انشُزوا فانشُزوا} برفع الشين.
وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: بكسر الشين فيهما.
ومعنى {انشزوا} قوموا.
قال الفراء: وهما لغتان.
وفي المراد بهذا القيام خمسة أقوال:
أحدها: أنه القيام إلى الصلاة، وكان رجال يتثاقلون عنها، فقيل لهم: إِذا نودي للصلاة فانهضوا، هذا قول عكرمة والضحاك.
والثاني: أنه القيام إلى قتال العدو، قاله الحسن.
والثالث: أنه القيام إلى كل خير من قتال، أو أمر بمعروف، ونحو ذلك، قاله مجاهد.
والرابع: أنه الخروج من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك أنهم كانوا إذا جلسوا في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم أطالوا ليكون كل واحد منهم آخرهم عهدًا به، فأُمروا أن ينشُزوا إذا قيل لهم: انشزوا، قاله ابن زيد.
والخامس: أن المعنى: قوموا وتحرَّكوا وتوسَّعوا لإخوانكم، قاله الثعلبي.
قوله تعالى: {يرفع الله الذين آمنوا منكم} أي: يرفعهم بإيمانهم على مَن ليس بمنزلتهم من الإيمان {و} يرفع {الذين أوتوا العلم} على مَن ليس بعالم.
وهل هذا الرفع في الدنيا، أم في الآخرة؟ فيه وجهان.
أحدهما: أنه إخبار عن ارتفاع درجاتهم في الجنة.
والثاني: أنه ارتفاع مجالسهم في الدنيا، فيكون ترتيبهم فيها بحسب فضائلهم في الدِّين والعلم.
وكان ابن مسعود يقول: أيها الناس: افهموا هذه الآية ولْتُرغِّبْكم في العلم، فإن الله يرفع المؤمن العالم فوق مَن لا يعلم درجات.
قوله تعالى: {إذا ناجيتم الرسول} في سبب نزولها قولان.
أحدهما: أن الناس سألوا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى شقُّوا عليه، فأراد الله أن يخفف عن نبيه، فأنزل هذه الآية، قاله ابن عباس.
والثاني: أنها نزلت في الأغنياء، وذلك أنهم كانوا يكثرون مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويغلبون الفقراء على المجالس، حتى كره رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك، فنزلت هذه الآية، فأما أهل العسرة فلم يجدوا شيئًا، وأما أهل الميسرة فبخلوا، واشتد ذلك على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فنزلت الرخصة، قاله مقاتل بن حيَّان، وإلى نحوه ذهب مقاتل بن سليمان، إلا أنه قال: فقدر الفقراء حينئذ على مناجاة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يقدِّمْ أحدٌ من أهل الميسرة صدقة غيرَ علي بن أبي طالب.
وروى مجاهد عن علي رضي الله عنه قال: آية في كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي، ولن يعمل بها أحد بعدي، آية النجوى.
كان لي دينار، فبعته بعشرة دراهم، فكلما أردت أن أناجي رسول الله صلى الله عليه وسلم قدَّمت درهمًا، فنسختها الآية الأخرى {أأشفقتم أن تقدِّموا...} الآية.
قوله تعالى: {ذلك خير لكم وأطهر} أي: تقديم الصدقة على المناجاة خير لكم، لما فيه من طاعة الله، وأطهر لذنوبكم {فإن لم تجدوا} يعني: الفقراء {فإن الله غفور رحيم} إذ عفا عمن لا يجد.
قوله تعالى: {أأشفقتم} أي: خِفتم بالصدقة الفاقةَ {وتاب الله عليكم} أي: فتجاوز عنكم، وخَفَّف بنسخ إيجاب الصدقة.